فصل: (سورة يس: آية 67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَفَلاَ يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ} لأنه يُورث الشبهة.
أخبرني ابن فنجوية قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدّثنا حامد بن شعيب عن شريح بن يونس قال: حدّثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي عيينة عن أبيه عن الحكم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بقول العباس بن مرداس: «أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة». قالوا: يا رسول الله إنما قال: بين عيينة والأقرع. فأعادها وقال: «بين الأقرع وعيينة». فقام إليه أبو بكر رضي الله عنه فقبل رأسه وقال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.
وأخبرنا الحسين بن محمد الحديثي قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا يوسف بن عبد الله بن هامان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا» فقال أبو بكر: يا نبي الله، إنما قال الشاعر:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

فقال أبو بكر أو عمر: أشهد أنك رسول الله، يقول الله عز وجل: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدّثنا حامد بن شعيب قال: حدّثنا شريح بن يونس قال: حدّثنا أبو سفيان عن معمر عن قتادة: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر} قال: بلغني أنّ عائشة سُئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ فقالت: كان الشعر أبغض الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلاّ ببيت أخي بني قيس طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنتَ جاهلًا ** ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

فجعل يقول: «من لم تزود بالأخبار»، فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لستُ بشاعر، وما ينبغي لي».
{إِنْ هُوَ} يعني القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ} بالتاء وهي قراءة أهل المدينة والشام والبصرة إلاّ أبا عمرو، والباقون بالياء؛ قال: التاء للنبي صلى الله عليه وسلم والياء للقرآن.
{مَن كَانَ حَيًّا} أي عاقلًا مؤمنًا في علم الله؛ لأن الكافر والجاهل ميّت الفؤاد، {وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} يعني عملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة، {أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ضابطون وقاهرون.
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} سخرناها {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} قرأ العامة بفتح الراء أي مركوبهم، كما يُقال: ناقة حلوب، أي محلوب، وقرأ الأعمش والحسن: بضم الراء على المصدر.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن هامان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: في مصحف عائشة: {ركوبتهم} والركوب والركوبة واحد مثل: الحمول والحمولة.
{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} لحمانها.
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} من أصوافها ولحومها وغير ذلك من المنافع.
{وَمَشَارِبُ} يعني ألبانها {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} أي لتمنعهم من عذاب الله، ولا يكون ذلك قط.
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ} في النار؛ لأنهم مع أوثانهم في النار فلا يدفع بعضهم عن بعض النار.
{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} يعني تكذيبهم وأذاهم وجفاهم. تم الكلام ها هنا ثم استأنف فقال: {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} جدل بالباطل {مُّبِينٌ}.
واختلفوا في هذا الإنسان من هو؟ فقال ابن عباس: هو عبد الله بن أُبيّ، وقال سعيد بن جبير: هو العاص بن وائل السهمي، وقال الحسن: هو أُمّية بن خلف، وقال قتادة: أُبي بن خلف الجمحي؛ وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل قد بلي فقال: يا محمد أترى الله يُحيي هذا بعدما قد رمّ؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: «نعم، ويبعثك ويدخلك النار» فأنزل الله هذه الآية: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} بدء أمره، {قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} بالية، وإنما لم يقل رميمة؛ لأنه معدول من فاعله وكل ما كان معدولًا عن وجهه ووزنه كان مصروفًا عن إعرابه كقوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] أسقط الهاء؛ لأنها مصروفة عن باغية.
{قُلْ يُحْيِيهَا الذيانشأهآ} خلقها {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَارًا} وإنما لم يقل الخضر، والشجر جمع الشجرة لأنه ردّه إلى اللفظ.
قال ابن عباس: هما شجرتان يُقال لإحداهما مرخ، والأُخرى العفار. فمن أراد منهم النار قطع منها غصنين مثل السواكين، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار أُنثى فتخرج منهما النار بإذن الله عز وجل.
يقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، وقال الحكماء: كل شجر فيه نار إلاّ العناب.
{فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} النار فذلك زادهم.
{أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ} قرأ العامة بالألف، وقرأ يعقوب {بقدر} على الفعل {على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} ثم قال: {بلى وَهُوَ الخلاق العليم إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا} أي وجود شيء، {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة يس: الآيات 60- 61]:

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}.
العهد: الوصية، وعهد إليه: إذا وصاه. وعهد اللّه إليهم: ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع. وعبادة الشيطان: طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم. وقرئ: {إعهد} بكسر الهمزة. وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر، إلا في الياء و{أعهد} بكسر الهاء. وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب و{أحهد} بالحاء. و{أحد} وهي لغة تميم. ومنه قولهم: دحا محا هذا إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن، إذا لا صراط أقوم منه، ونحو التنكير فيه ما في قول كثير:
لئن كان يهدى برد أنيابها ** العلا لأفقر منى إنّنى لفقير

أراد: إننى لفقير بليغ الفقر، حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه فىّ، وإلا لم يستقم معنى البيت، وكذلك قوله {هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يراد: هذا بعض الصراط المستقيمة، توبيخا لهم على العدول عنه، والتفادى عن سلوكه، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدى إلى الضلالة والتهلكة، كأنه قيل: أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق: أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك، كما بقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده: هذا فيما أظنّ قول نافع غير ضار، توبيخا له على الإعراض عن نصائحه.

.[سورة يس: الآيات 62- 64]:

{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)}.
قرئ: {جبلا} بضمتين، وضمة وسكون، وضمتين وتشديدة، وكسرتين، وكسرة وسكون، وكسرتين وتشديدة. وهذه اللغات في معنى الخلق. وقرئ: {جبلا} جمع جبلة، كفطر وخلق، وفي قراءة على رضى اللّه عنه: {جيلا} واحدا، لا أجيال.

.[سورة يس: الآيات 65- 66]:

{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)}.
يروى أنهم يجحدون ويخاصمون، فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم، فيحلفون ما كانوا مشركين، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم. وفي الحديث: «يقول العبد يوم القيامة: إنى لا أجيز علىّ شاهدا إلا من نفسي، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقى فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكنّ وسحقا. فعنكن كنت أناضل» وقرئ: {يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم} وقرئ: {ولتكلمنا أيديهم وتشهد} بلام كى والنصب على معنى: ولذلك تختم على أفواههم: وقرئ: {ولتكلمنا أيديهم ولتشهد} بلام الأمر والجزم على أنّ اللّه يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة.

.[سورة يس: آية 67]:

{وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67)}.
الطمس: تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة {فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل. والأصل: فاستبقوا إلى الصراط. أو يضمن معنى ابتدروا.
أو يجعل الصراط مسبوقا لا مسبوقا إليه. أو ينتصب على الظرف. والمعنى: أنه لو شاء لمسح أعينهم، فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المهيع الذي اعتادوا سلوكه إلى مساكنهم وإلى مقاصدهم المألوفة التي تردّدوا إليها كثيرا- كما كانوا يستبقون إليه ساعين في متصرفاتهم موضعين في أمور دنياهم- لم يقدروا، وتعايى عليهم أن يبصروا ويعلموا جهة السلوك فضلا عن غيره.
أو لو شاء لأعماهم، فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف- كما كان ذلك هجيراهم- لم يستطيعوا. أو لو شاء لأعماهم، فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا، يعنى أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك، كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضروا به من المقاصد دون غيرها عَلى مَكانَتِهِمْ وقرئ {على مكاناتهم} والمكانة والمكان واحد، كالمقامة والمقام. أى: لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا مضىّ ولا رجوع واختلف في المسخ، فعن ابن عباس: لمسخناهم قردة وخنازير. وقيل: حجارة. وعن قتادة: لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم. وقرئ: {مضيا} بالحركات الثلاث، فالمضىّ والمضي كالعتىّ والعتي. والمضىّ كالصبىّ.

.[سورة يس: آية 68]:

{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68)}.
{نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال ويرتقى من درجة إلى درجة، إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص، حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبىّ في ضعف جسده وقلة عقله وخلوّه من العلم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. قال عزّ وجلّ {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} {ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ} وهذه دلالة على أنّ من ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوّة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ومن العلم إلى الجهل بعد ما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه- قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد: وقرئ بكسر الكاف. و{ننكسه} و{ننكسه} من التنكيس والإنكاس {أَفَلا يَعْقِلُونَ} بالياء والتاء.

.[سورة يس: الآيات 69- 70]:

{وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)}.
كانوا يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: شاعر، وروى أنّ القائل: عقبة بن أبى معيط، فقيل {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ} أي: وما علمناه بتعليم القرآن الشعر، على معنى: أن القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء. وأين هو عن الشعر، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى، يدل على معنى، فأين الوزن؟ وأين التقفية؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه؟ فإذا لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت، اللهمّ إلا أنّ هذا لفظه عربى، كما أنّ ذاك كذلك {وَما يَنْبَغِي لَهُ} وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه، أي: جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل، كما جعلناه أمّيا لا يتهدّى للخط ولا يحسنه، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض. وعن الخليل: كان الشعر أحب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من كثير من الكلام، ولكن كان لا يتأتى له. فإن قلت: فقوله:
«أنا النّبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطّلب»
وقوله:
«هل أنت إلّا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت»
قلت: ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمى به على السليقة، من غير صنعة ولا تكلف، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه إن جاء موزونا، كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرا ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز، على أن الخليل ما كان يعدّ المشطور من الرجز شعرا، ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} يعنى: ما هو إلا ذكر من اللّه تعالى يوعظ به الإنس والجنّ، كما قال {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ} وما هو إلا قرآن كتاب سماوي، يقرأ في المحاريب، ويتلى في المتعبدات، وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين؟ لِيُنْذِرَ القرآن أو الرسول وقرئ: {لتنذر} بالتاء. و{لينذر} من نذر به إذا علمه {مَنْ كانَ حَيًّا} أي عاقلا متأملا، لأن الغافل كالميت. أو معلوما منه أنه يؤمن فيحيا بالإيمان {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ} وتجب كلمة العذاب {عَلَى الْكافِرِينَ} الذين لا يتأمّلون ولا يتوقع منهم الإيمان.

.[سورة يس: الآيات 71- 73]:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعامًا فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)}.
{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا} مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا، وإنما قال ذلك لبائع الفطرة والحكمة فيها، التي لا يصح أن يقدر عليها إلا هو. وعمل الأيدى: استعارة من عمل من يعملون بالأيدى {فَهُمْ لَها مالِكُونَ} أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك، مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون. أو فهم لها ضابطون قاهرون، من قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ** ولا أملك رأس البعير إن نفرا

أى لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها، كما قال القائل:
يصرفه الصّبى بكل وجه ** ويحبسه على الخسف الجرير

وتضربه الوليدة بالهراوى ** فلا غير لديه ولا نكير

ولهذا ألزم اللّه سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} وقرئ: {ركوبهم} و{ركوبتهم} وهما ما يركب، كالحلوب والحلوبة. وقيل: الركوبة جمع. وقرئ: {ركوبهم} أي ذو ركوبهم. أو فمن منافعها ركوبهم {مَنافِعُ} من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك {وَمَشارِبُ} من اللبن، ذكرها مجملة، وقد فصلها في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتًا} الآية والمشارب: جمع مشرب وهو موضع الشرب، أو الشرب.